کد مطلب:352958 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:221

عمر بن الخطاب یعارض کتاب الله باجتهاده
إن للخلیفة الثانی عمر تاریخا حافلا من اجتهاده مقابل النصوص الصریحة من

القرآن الكریم والسنة النبویة الشریفة. وأهل السنة یجعلون ذلك من مفاخرة ومناقبه التی یمدحونه لأجلها والمنصفون منهم یلتمسون لذلك أعذارا وتأویلات باردة لا یقبلها عقل ولا منطق. وإلا كیف یكون من عارض كتاب الله وسنة نبیه من المجتهدین، والله یقول: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضی الله ورسوله أمرا أن یكون لهم الخیرة من أمرهم ومن یعصی الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبینا [الأحزاب: 36]. وقال عز من قائل: ومن لم یحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ومن لم یحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ومن لم یحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون [المائدة: 44 - 45 - 47]. وأخرج البخاری فی صحیحه كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة فی باب ما یذكر من ذم الرأی وتكلف القیاس ولا تقف ولا تقل ما لیس لك به علم. قال النبی صلی الله علیه وسلم إن الله لا ینزع العلم بعد أن أعطاهموه انتزاعا ولكن ینتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم فیبقی ناس جهال یستفتون



[ صفحه 219]



فیفتون برأیهم فیضلون ویضلون [1] .

كما أخرج البخاری فی صحیحه من نفس الكتاب فی الباب الذی یلیه ما كان النبی صلی الله علیه وآله وسلم یسئل مما لم ینزل علیه الوحی فیقول: لا أدری، أو لم یجب حتی ینزل علیه الوحی ولم یقل برأی ولا قیاس لقوله تعالی: بما أراك الله [2] .

وقد قال العلماء قدیما وحدیثا قولا واحدا: أنه من قال فی كتاب الله برأیه فقد كفر - وهذا بدیهی من خلال الآیات المحكمات ومن خلال أقوال وأفعال الرسول صلی الله علیه وآله وسلم. فكیف تنسی هذه القاعدة إذا ما تعلق الأمر بعمر بن الخطاب أو بأحد الصحابة أو أحد أئمة المذاهب الأربعة، فیصبح القول بالرأی فی معارضة أحكام الله اجتهادا یؤجر علیه صاحبه أجرا واحدا إن أخطأ وأجران إن أصاب. ولقائل أن یقول: إن هذا ما اتفقت علیه الأمة الإسلامیة قاطبة سنة وشیعة للحدیث النبوی الشریف الوارد عندهم. أقول: هذا صحیح ولكن اختلفوا فی موضوع الاجتهاد، فالشیعة یوجبون الاجتهاد فی ما لم یرد بشأنه حكم من الله أو من رسوله صلی الله علیه وآله وسلم. أما أهل السنة فلا یتقیدون بهذا، واقتداء بالخلفاء والسلف الصالح عندهم لا یرون بأسا فی الاجتهاد مقابل النصوص، وقد أورد العلامة السید شرف الدین الموسوی فی كتابه النص والاجتهاد أكثر من مائة مورد خالف فیه الصحابة وعلی رأسهم الخلفاء الثلاثة، النصوص الصریحة من القرآن والسنة، فعلی الباحثین مطالعة ذلك الكتاب.



[ صفحه 220]



وما دمنا فی هذا الموضوع بالذات فلا بد لنا من إیراد بعض النصوص التی خالف فیها عمر صریح النص، وذلك إما جهلا منه بالنصوص، وهذا أمر عجیب لأن الجاهل لیس له أن یحكم فیحلل ویحرم من عند نفسه، قال تعالی: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب، هذا حلال وهذا حرام، لتفتروا علی الله الكذب، إن الذین یفترون علی الله الكذب لا یفلحون [النحل: 116]. ولیس للجاهل أن یتقلد منصب الخلافة لقیادة أمة بأكملها قال تعالی: أفمن یهدی إلی الحق أحق أن یتبع أمن لا یهدی إلا أن یهدی ما لكم كیف تحكمون [یونس: 35]. وإما أنه لا یجهل النصوص ویعرفها ولكنه یتعمد الاجتهاد لمصلحة اقتضاها الحال حسب رأیه الشخصی. لا یعد أهل السنة هذا كفرا ومروقا، كما لا بد أن یكون جاهلا بوجود من یعرف الأحكام الصحیحة من معاصریه. وهذا باطل لمعرفته بإلمام علی علیه السلام بالكتاب والسنة إلماما تاما وإلا لما استفتاه فی كثیر من المعضلات حتی قال فیه: لولا علی لهلك عمر، فلماذا یا تری لم یستفته فی المسائل التی اجتهد فیها برأیه الذی یعرف قصوره؟ وأعتقد بأن المسلمین الأحرار یوافقون علی هذا لأن هذا النوع من الاجتهاد هو الذی أفسد العقیدة وأفسد الأحكام وعطلها وتسبب فی اختلاف علماء الأمة وتفریقها إلی الفرق والمذاهب المتعددة ومن ثم النزاع والخصام، فالفشل وذهاب الریح والتخلف المادی والروحی. ولنا أن نتصور حتی بوجود أبی بكر وعمر علی منصة الخلافة وإزاحة صاحبها الشرعی، نتصور لو أن أبا بكر وعمر جمعا السنن النبویة وحفظاها فی كتاب خاص بها لوفرا علی أنفسهما وعلی الأمة الخیر العمیم ولما دخلت فی السنة النبویة ما لیس منها ولكان الإسلام بكتابه وسنته واحدا،



[ صفحه 221]



ملة واحدة وأمة واحدة وعقیدة واحد ولكان لنا الیوم كلام غیر هذا. أما وأن السنن قد جمعت وأحرقت ومنعت من التدوین ومن النقل حتی شفویا فهذه هی الطامة الكبری وهذه هی البائقة العظمی فلا حول ولا قوة إلا بالله العلی العظیم. وإلیك بعض النصوص الصریحة التی اجتهد فیها عمر بن الخطاب فی مقابل القرآن. (أ) یقول القرآن: وإن كنتم جنبا فاطهروا، وإن كنتم مرضی أو علی سفر، أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتیمموا صعیدا طیبا [المائدة: 6]. والمعروف فی السنة النبویة بأن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علم الصحابة كیفیة التیمم وبحضور عمر نفسه. أخرج البخاری فی صحیحه فی كتاب التیمم فی باب الصعید الطیب وضوء المسلم یكفیه عن الماء. قال: عن عمران قال: كنا فی سفر مع النبی صلی الله علیه وآله وسلم وإنا أسرینا حتی إذا كنا فی آخر اللیل وقعنا وقعة ولا. وقعة أحلی عند المسافر منها. فما أیقظنا إلا حر الشمس، وكان أول من استیقظ فلان ثم فلان یسمیهم أبو رجاء فنسی عوف ثم عمر بن الخطاب الرابع وكان النبی صلی الله علیه وآله وسلم إذا نام لم یوقظ حتی یكون هو یستیقظ لأنا لا ندری ما یحدث له فی نومه، فلما استیقظ عمر ورأی ما أصاب الناس وكان رجلا جلیدا فكبر ورفع صوته بالتكبیر فما زال یكبر ویرفع صوته بالتكبیر حتی استیقظ بصوته النبی صلی الله علیه وآله وسلم، فلما استیقظ شكوا إلیه الذی أصابهم، قال: لا خیر ولا یضیر ارتحلوا، فارتحل فسار غیر بعید ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ ونودی بالصلاة فصلی بالناس فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم یصل مع القوم. قال: ما منعك یا فلان



[ صفحه 222]



أن تصلی مع القوم؟ قال: أصابتنی جنابة ولا ماء! قال: علیك بالصعید فإنه یكفیك [3] .

ولكن عمر یقول معارضة لكتاب الله وسنة رسوله من لم یجد الماء لا یصل.. وهذا مذهبه سجله علیه أغلب المحدثین. فقد أخرج مسلم فی صحیحه ج 1 من كتاب الطهارة باب التیمم أن رجلا أتی عمر فقال إنی أجنبت فلم أجد ماء فقال: لا تصل فقال عمار: أما تذكر یا أمیر المؤمنین إذ أنا وأنت فی سریة فأجنبنا فلم نجد ماء فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت فی التراب وصلیت فقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم إنما كان یكفیك أن نضرب بیدیك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفیك، فقال عمر: اتق الله یا عمار! قال: إن شئت لم أحدث به [4] .

سبحانه الله! لم یكتف عمر بمعارضته للنصوص الصریحة من الكتاب والسنة حتی یحاول منع الصحابة من معارضته فی رأیه. ویضطر عمار بن یاسر أن یعتذر للخلیفة بقوله: إن شئت لم أحدث به وكیف لا أعجب ولا تعجبون من هذا الاجتهاد وهذه المعارضة وهذا الإصرار علی الرأی رغم شهادة الصحابة بالنصوص فإن عمر لم یقتنع إلی أن مات وهو مصر علی هذا الاعتقاد وقد أثر مذهبه هذا فی كثیر من الصحابة الذین كانوا یرون رأیه - بل ربما كانوا یقدمونه علی رأی رسول الله فقد أخرج مسلم فی صحیحه فی كتاب الطهارة باب التیمم من جزئه الأول صفحة 192 قال: عن شقیق: كنت جالسا مع عبد الله وأبی موسی فقال أبو موسی: یا أبا عبد الرحمن أرأیت لو أن رجلا أجنب فلم یجد الماء شهرا كیف یصنع بالصلاة؟ فقال عبد الله: لا یتیمم وإن لم یجد الماء شهرا! فقال أبو موسی: فكیف بهذه الآیة فی سورة المائدة: فلم تجدوا ماء



[ صفحه 223]



فتیمموا صعیدا طیبا فقال عبد الله: لو رخص لهم فی هذه الآیة لأوشك إذا برد علیهم الماء أن یتیمموا بالصعید. فقال أبو موسی لعبد الله: ألم تسمع قول عمار: بعثنی رسول الله صلی الله علیه وآله ولم فی حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت فی الصعید كما تمرغ الدابة، ثم أتیت النبی صلی الله علیه وآله وسلم فذكرت ذلك له فقال: إنما یكفیك أن تقول بیدیك هكذا ثم ضرب بیدیه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال علی الیمین وظاهر كفیه ووجهه. فقال عبد الله: أو لم تر عمر لم یقنع بقول عمار [5] ونحن إذا تأملنا فی هذه

الروایة التی أثبتها البخاری ومسلم وغیرهم من الصحاح نفهم من خلالها مدی تأثیر مذهب عمر بن الخطاب علی الكثیر من كبار الصحابة ومن هذا نفهم أیضا مدی تناقض الأحكام، وتهافت الروایات وتضاربها، ولعل ذلك هو الذی یفسر استخفاف الحكام الأمویین والعباسیین بالأحكام الإسلامیة ولا یقیمون لها وزنا، ویسمحون بتعدد المذاهب المتعارضة فی الحكم الواحد ولسان حالهم یقول لأبی حنیفة ومالك وأحمد والشافعی: قولوا ما شئتم بآرائكم فإذا كان سیدكم وإمامكم عمر یقول برأیه ما شاء [6] مقابل القرآن والسنة فلا لوم علیكم فما أنتم إلا تابعون وأتباع التابعین

ولستم مبتدعین. والأعجب من كل ذلك قول عبد الله بن مسعود لأبی موسی: لا یتیمم وإن لم یجد الماء شهرا. وعبد الله بن مسعود من أكابر الصحابة یری أن المجنب إذا لم یجد الماء یترك الصلاة شهرا كاملا ولا یتیمم ویبدو أن أبا موسی حاول إقناعه بالآیة الكریمة النازلة بخصوص هذا الموضوع فی سورة



[ صفحه 224]



المائدة، فأجابه بأنه: لو رخص لهم فی هذه الآیة لأوشك إذا برد علیهم الماء أن یتیمموا بالصعید. ومن هذا نفهم أیضا كیف یجتهدون فی النصوص القرآنیة علی حسب ما یرونه، وما یرونه مع الأسف هو الشدة والتعسیر علی الأمة فی حین یقول الله: یرید الله بكم الیسر ولا یرید بكم العسر [البقرة: 185]. یقول هذا المسكین: لو رخص لهم فی هذه الآیة لأوشك إذا برد الماء أن یتیمموا. فهل وضع نفسه مبلغا عن الله ورسوله؟ وهل هو أحرص وأرأف علی العباد من خالقهم ومربیهم؟ وبعد ذلك یحاول أبو موسی أن یقنعه بالسنة النبویة التی رواها عمار وكیف علمه رسول الله التیمم. فیرد عبد الله هذه السنة النبویة المشهورة بأن عمر بن الخطاب لم یقنع بقول عمار! ومن هنا نفهم أن قول عمر بن الخطاب هو الحجة المقنعة لدی بعض الصحابة وأن قناعة عمر بالحدیث أو الآیة هی المقیاس الوحید لصحة الحدیث أو لمفهوم الآیة وإن تعارض مع أقوال وأفعال الرسول صلی الله علیه وآله وسلم. ولذلك نجد أن كثیرا من أفعال الناس الیوم تتناقض مع القرآن والسنة سواء فی الحلیة والحرمة، لأن اجتهاد عمر فی مقابل النصوص أصبح مذهبا متبعا ولما رأی بعض المتزلفین ومن لهم درایة بأن الأحادیث التی منعت فی عهد الخلفاء، قد دونت فیما بعد وسجلها الرواة والحفاظ وهی تتعارض مع مذهب عمر بن الخطاب، اختلقوا روایات أخری من عندهم ونسبوها إلی الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لیؤیدوا بها مذهب أبی حفص كمسألة زواج المتعة وصلاة التراویح وغیرها فجاءت الروایات متناقضة وبقیت حتی الیوم محل خلاف بین المسلمین وستبقی ما دام هناك من یدافع عن عمر لأنه عمر - ولا یرید البحث من أجل الحق وأن تقول لعمر أخطأت یا عمر فإن الصلاة لا تسقط بفقدان الماء. وأن



[ صفحه 225]



هناك آیة التیمم مذكورة فی كتاب الله وهناك حدیث التیمم مذكور فی كل كتب السنة فجهلك بهما لا یسمح لك باعتلاء منصة الخلافة ولا قیادة أمة وعلمك بهما یكفرك إذا عارضت أحكامهما فما كان لك إن كنت مؤمنا، إذا قضی الله ورسوله أمرا أن یكون لك الخیرة. فتحكم بما تشاء وترد ما تشاء وأنت أعلم منی بأن من یعصی الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبینا. (ب) قال الله تعالی: إنما الصدقات للفقراء والمساكین والعاملین علیها والمؤلفة قلوبهم وفی الرقاب والغارمین وفی سبیل الله وابن السبیل، وفریضة من الله والله علیم حكیم [التوبة: 60]. وكان من السنة النبویة المعروفة أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یخص المؤلفة قلوبهم بسهمهم الذی فرضه الله لهم كما أمره الله تعالی ولكن عمر بن الخطاب أبطل هذا العطاء المفروض فی خلافته واجتهد مقابل النص وقال لهم: لا حاجة لنا بكم فقد أعز الله الإسلام وأغنی عنكم. بل لقد عطل هذا الحكم فی خلافة أبی بكر إذ جاءه المؤلفة قلوبهم جریا علی عادتهم مع رسول الله فكتب لهم أبو بكر بذلك فذهبوا إلی عمر لیأخذوا نصیبهم - فمزق عمر الكتاب وقال لهم: لا حاجة لنا بكم فقد أعز الله الإسلام وأغنی عنكم فإن أسلمتم وإلا فالسیف بیننا وبینكم، فرجعوا إلی أبی بكر فقالوا: أأنت الخلیفة أم هو؟ فقال: بل هو إن شاء الله. وتراجع أبو بكر فیما كتب موافقا لرأی صاحبه عمر [7] .

والعجیب أیضا أنك تجد حتی الیوم من یدافع عن عمر فی هذه القضیة ویعتبرها من مناقبه وعبقریاته ومن هؤلاء الشیخ محمد المعروف بالدوالیبی إذ یقول فی كتابه أصول الفقه فی ص 239: ولعل اجتهاد عمر رضی الله عنه فی قطع العطاء الذی جعله القرآن الكریم للمؤلفة قلوبهم كان فی مقدمة الأحكام التی قال بها عمر تبعا لتغیر المصلحة بتغیر الأزمان



[ صفحه 226]



رغم أن النص القرآنی فی ذلك لا یزال ثابتا غیر منسوخ. ثم أخذ بعد ذلك یعتذر لعمر بأنه نظر إلی علة النص لا إلی ظاهره. إلی آخر كلامه الذی تفهمه العقول السلیمة، ونحن نقبل شهادته بأن عمر غیر الأحكام القرآنیة تبعا لرأیه بأن المصلحة تتغیر بحسب الأزمان. ونرفض تأویله بأن عمر نظر إلی علة النص ولم ینظر إلی ظاهره ونقول له ولغیره بأن النصوص القرآنیة والنصوص النبویة لا تتغیر بتغیر الأزمان، فالقرآن صریح بأن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نفسه لیس من حقه أن یبدل قال تعالی: وإذا تتلی علیهم آیاتنا بینات قال الذین لا یرجون لقاءنا ائت بقرآن غیر هذا أو بدله قل ما یكون لی أن أبدله من تلقائی نفسی إن أتبع إلا ما یوحی إلی إنی أخاف إن عصیت ربی عذاب یوم عظیم [یونس: 15]. والسنة النبویة الطاهرة تقول: حلال محمد حلال إلی یوم القیامة وحرامه حرام إلی یوم القیامة. ولكن علی زعم الدوالیبی ومن یری رأیه من أنصار الاجتهاد فإن الأحكام تتغیر بتغیر الزمان ولا لوم إذن علی بعض الحكام الذین غیروا أحكام الله بأحكام الشعب وبأحكام وضعیة اقتضتها مصالحهم وهی مخالفة لأحكام الله فمنهم من قال: أفطروا لتقووا علی عدوكم ولا حاجة بالصوم فی الوقت الحاضر الذی نجاهد فیه التخلف والفقر والجهل. والصوم یقعدنا عن الإنتاج ومنع تعدد الزوجات لأنه یری فی ذلك ظلما وتعدیا علی حقوق المرأة وقال: بأن فی زمن محمد كانت المرأة تعتبر شقفة بول أما الآن فقد حررناها وأعطیناها حقوقها كاملة. ونظر هذا الرئیس إلی النص من حیث العلة ولم ینظر إلی ظاهره كما نظر عمر فقال: إن المیراث یجب أن یقسم الآن للذكر والأنثی علی حد سواء، لأن الله أعطی للرجل سهمین باعتبار أنه هو الذی یعول الأسرة فی حین كانت المرأة معطلة، أما الیوم وبفضل جهود فخامته أصبحت المرأة تشتغل وتعول أسرتها وضرب للشعب مثلا بزوجته التی أنفقت علی أخیها



[ صفحه 227]



وأصبح وزیرا بفضلها وعنایتها. كما وأنه أباح الزنا واعتبره حقا شخصیا لمن بلغ سن الرشد ما لم یكن غصبا أو حرفة للعیش، وفتح دورا لحضانة الأطفال الذین یولدون من الزنا معللا ذلك بأنه رحیم بأولاد الزنا الذین كانوا یدفنون أحیاء خوف العار والفضیحة، إلی غیر ذلك من اجتهاداته المعروفة والغرب أن هذا الرئیس كان لحد ما معجبا بشخصیة عمر فقد ذكره مرة بإعجاب وذكره مرة بأنه لم یتحمل المسؤولیة حیا ومیتا بینما هو الرئیس سیتحملها حیا ومیتا، ومرة أخری وكأنه بلغه بأن المسلمین انتقدوا اجتهاداته فقال: إن عمر بن الخطاب كان من أول وأكبر المجتهدین فی عصره فلماذا لا أجتهد أنا فی عصری الجدید فقد كان عمر رئیس دولة وأنا أیضا رئیس دولة. والأغرب أن هذا الرئیس كان عندما یذكر محمد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تری فی كلامه سخریة واستهزاء فقد قال فی خطابه بأن محمدا كان لا یعرف حتی الجغرافیا فقد قال: أطلبوا العلم ولو كان فی الصین ظنا منه بأن الصین هی آخر الدنیا، فما كان محمد یتصور بأن العلم سیصل إلی هذه الدرجة وأن أطنانا من الحدید ستطیر فی الهواء فما بالك لو قیل له أو حدثوه عن الأورانیوم - والبوتاسیوم والعلوم الذریة والأسلحة النوویة. هذا ولا ألوم شخصیا هذا المسكین الذی ما فهم من كتاب الله وسنة رسوله شیئا ووجد نفسه یوما یحكم دولة باسم الإسلام وهو یسخر من الإسلام ویجری وراء الحضارة الغربیة ویرید أن یصنع من بلاده دولة أوروبیة متطورة بالمفهوم الذی یراه هو. وقد حذا حذوه كثیر من الرؤساء والملوك لما حصل علیه من تأیید الدول الغربیة واللائكیة ومدحهم وإطرائهم له، حتی لقبوه بالمجاهد الأكبر ثم لا ألومه فالشئ من مأتاه لا یستغرب وكل إناء بالذی فیه ینضح وإذا كنت منصفا فسألقی باللوم علی أبی بكر وعمر وعثمان الذین فتحوا هذا الباب من یوم وفاة النبی صلی الله علیه وآله وسلم وتسببوا فی كل الاجتهادات التی دأب علیها الحكام الأمویون والعباسیون وما



[ صفحه 228]



أكثرهم، سبع قرون خلت وكلها طمس لحقائق الإسلام بنصوصه وأحكامه واستفحل الأمر فی القرون التی أعقبتها، حتی وصل الأمر بأن یخطب الرئیس أمام شعبه المسلم مستهزئا برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولا ینكر علیه أحد لا فی الداخل ولا فی الخارج. وهذا ما قلته وما أقواله لبعض الإخوة من الحركة الإسلامیة: إن كنتم تنكرون الیوم علی الرئیس عدم اتباع النصوص القرآنیة والسنة النبویة فواجب علیكم أن تنكروا علی من سن هذه البدعة فی الاجتهاد مقابل النصوص، إن كنتم منصفین وتریدون فعلا اتباع الحق. فلا یقبلون منی هذا الكلام ویعیبون علی كیف أقارن الرؤساء الیوم بالخلفاء الراشدین، وأجیبهم بأن الرؤساء الیوم وملوك الیوم هم النتیجة الحتمیة لما وقع فی التاریخ، ومتی كان المسلمون یوما أحرارا منذ وفاة الرسول وحتی الیوم؟ فیقولون أنتم الشیعة تفترون وتشتمون الصحابة، ولو وصلنا یوما إلی الحكم فسنحرقكم بالنار، فأقول: لا أراكم الله ذلك الیوم. (ت) قال الله تعالی: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسریح بإحسان ولا یحل لكم أن تأخذوا مما أتیتموهن شیئا إلا أن یخافا ألا یقیما حدود الله فإن خفتم ألا یقیما حدود الله فلا جناح علیهما فیما افتدت به، تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن یتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون، فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتی تنكح زوجا غیره، فإن طلقها فلا جناح علیهما أن یتراجعا إن ظنا أن یقیما حدود الله وتلك حدود الله یبینها لقوم یعلمون [البقرة: 230]. والسنة النبویة الشریفة فسرت بغیر لبس بأن المرأة لا تحرم علی زوجها إلا بعد ثلاثة تطلیقات ولا یحق لزوجها أن یراجعها إلا بعد أن تنكح زوجا آخر فإذا طلقها هذا الأخیر عند ذلك یمكن لزوجها أن یتقدم لخطبتها



[ صفحه 229]



من جدید كبقیة الرجال وعلیها أن تقبل أو ترفض فالخیرة لها. ولكن عمر بن الخطاب وكعادته تخطی حدود الله التی بینها لقوم یعلمون فأبدل هذا الحكم بحكمه الذی یقول طلقة واحدة فعلیة بلفظ الثلاثة تحرم علی الزوج زوجه. وخالف بذلك القرآن الكریم والسنة النبویة. فقد جاء فی صحیح مسلم فی كتاب الطلاق باب طلاق الثلاث عن ابن عباس قال: كان الطلاق علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبی بكر وسنتین من خلافة عمر طلاق الثلاثة واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا فی أمر قد كانت لهم فیه أناة فلو أمضیناه علیهم فأمضاه علیهم. عجبا والله كیف یجرؤ الخلیفة علی تغییر أحكام الله بمحضر من الصحابة فیوافقون علی كل ما یقول وما یفعل ولا من منكر ولا من معارض، ویموهون علینا نحن المساكین بأن أحد الصحابة قال لعمر: والله لو رأینا فیك اعوجاجا لقومناك بحد السیف فهذا زور من القول وبهتان لیتشدقوا بأن الخلفا كانوا المثل الأعلی فی الحریة والدیمقراطیة والتاریخ یكذبهم بواقعه العملی ولا عبرة بالأقوال إذا كانت الأعمال علی نقیضها. أو لعلهم كانوا یرون الاعوجاج فی الكتاب والسنة وأن عمر بن الخطاب هو الذی قومها وأصلحها. نعوذ بالله من الهذیان. وكنت فی مدینة قفصة كثیرا ما أفتی للرجال الذین حرموا نساءهم بكلمة: أنت حرام بالثلاث، ویفرحون عندما أعرفهم بأحكام الله الصحیحة التی لم یتصرف فیها الخلفاء باجتهاداتهم. ولكن من یدعون العلم یخوفونهم بأن الشیعة عندهم كل شئ حلال وأتذكر بأن أحدهم جادلنی مرة بالحسنی وسألنی: إذا كان سیدنا عمر بن الخطاب رضی الله عنه بدل حكم الله فی هذه القضیة وفی غیرها ووافق الصحابة علی ذلك فلماذا لم یعارض سیدنا علی كرم الله وجهه ورضی الله عنه ولم ینكر علی سیدنا عمر؟ وأجبته بجواب الإمام علی



[ صفحه 230]



علیه السلام عندما قالت قریش بأنه رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب - فقال: لله أبوهم! وهل أحد منهم أشد لها مراسا، وأقدم فیها مقاما منی! لقد نهضت فیها وما بلغت العشرین، وها أنذا قد ذرفت علی الستین، ولكن لا رأی لمن لا یطاع. (الخطبة 27 من نهج البلاغة). نعم وهل استمع المسلمون لرأی علی، غیر شیعته الذین آمنوا بإمامته فقد عارض تحریم المتعة وعارض بدعة التراویح وعارض كل الأحكام التی غیرها أبو بكر وعمر وعثمان ولكن بقیت آراؤه محصورة فی أتباعه وشیعته، أما غیرهم من المسلمین فقد حاربوه ولعنوه وحاولوا جهدهم القضاء علیه ومحو ذكره، ولا أدل علی معارضته من موقفه العظیم البطولی عندما دعاه عبد الرحمن بن عوف الذی رشحوه لاختیار الخلیفة بعد موت عمر فاشترط علیه - بعد أن اختاره لیكون هو الخلیفة - أن یحكم فیها بسنة الخلیفتین أبو بكر وعمر، فرفض علی علیه السلام هذا الشرط وقال: أحكم بكتاب الله وسنة رسوله. وعلی هذا تركوه واختاروا عثمان بن عفان الذی قبل شرط الحكم بسنة الخلیفتین فإذا كان علی علیه السلام لا یقدر علی معارضة أبی بكر وعمر وهما میتان فكیف یعارضهما وهما علی قید الحیاة؟؟ ولذلك تری الیوم بأن باب مدینة العلم الذی كان أعلم الناس بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأقضاهم وأحفظهم لكتاب الله وسنة رسوله، متروكا عند أهل السنة والجماعة، فیقتدون بمالك وأبی حنیفة والشافعی وابن حنبل ویقلدونهم فی كل أمور الدین من العبادات والمعاملات ولا یرجعون فی شئ للإمام علی وكذلك فعل أئمتهم فی الحدیث كالبخاری ومسلم فتراهم یروون عن أبی هریرة وعن ابن عمر وعن الأقرع والأعرج وعن كل قریب وبعید مئات الأحادیث ولا یروون عن علی إلا بضعة أحادیث مكذوبة علیه وفیها مس بكرامة أهل البیت. ثم هم لا یكتفون بذلك فیستنكرون ویكفرون من قلده، واقتدی به من شیعته المخلصین وینبزونهم بالروافض



[ صفحه 231]



وبكل ما یشین، والحقیقة أن هؤلاء لیس لهم ذنب إلا أنهم اقتدوا بعلی الذی كان منبوذا ومبعدا فی عهد الخلفاء الثلاثة، ثم هو ملعون ومحارب فی عهد الأمویین والعباسیین، وكل من له إلمام ومعرفة بالتاریخ سیدرك هذه الحقیقة واضحة جلیة، وسیفهم الخلفیات والمؤامرات التی حیكت ضده وضد أهل بیته وشیعته.


[1] صحيح البخاري: 8 / 148.

[2] المصدر السابق.

[3] صحيح البخاري: 1 / 88.

[4] صحيح البخاري: 1 / 87.

[5] كما أخرجه البخاري في صحيحه: 1 / 91 كتاب التيمم باب التيمم ضربة.

[6] كما جاء ذلك في صحيح البخاري: 5 / 158 من كتاب تفسير القرآن باب قوله وأنفقوا في سبيل الله.

[7] الجوهرة النيرة في الفقه الحنفي: 1 / 164.